من طرف Dr: Milani الإثنين 13 ديسمبر 2010, 10:11 pm
الفصل الأخير
مرت ثلاثة أعوام مذ هاجر "مجتبى" و عادت "جميلة" إلى قريتها الصغيرة لتقيم في بيتها من جديد...
كان بيتها من الطين, تعرشه أعواد القصب و من فوقها غطاءا بلاستيكيا ليمنع مياه الأمطار من التسرب –و إن كان في أغلب الفترات لا يفعل- و لم تكن الكهرباء من الأشياء المتاحة في القرية, فكانوا يستعملون مصابيح الزيت..
يحوي البيت غرفتين للنوم, و مطبخا , و غرفة إستقبال للرجال , و أخرى للسيدات, و مرحاضا و حجرة صغيرة للإستحمام.. بكل من غرفتي النوم فراشان و خزانة ملابس و مرآة للزينة, و بكل غرفة إستقبال ستة مقاعد خشبية وضعت عليها وسادات مريحة, و منضدتان خشبيتان.
في تلك الفترة, كان عملها في حياكة و بيع الملابس الصوفية قد إزدهر, و صارت إسما لا يستهان به في السوق.. و على الرغم من قلة ربحها, فإنها أصرت على تزيين بيتها في غير ما تكلف.. فقامت بطلاء الجدران باللون الأبيض, و وضعت الستائر ذات الألوان الزهرية, و خاطت تحت سقف القصب قماشا يقارب لون الستائر , كما نثرت المزهريات التي تحوي أزهارا ظلية - قامت بزراعتها- في أرجاء بيتها, بينما زرعت الورود ذات الأريج العطر أمامه و على جانبيه.
و قد عمدت أن تشغل كل لحظات يومها, حتى أنها صارت تعلم نساء القرية و فتياتها الحياكة دون مقابل, ثم في المساء تسرع إلى فراشها بعد أن تؤدي صلاة العشاء و هي خائرة القوى.. كانت تفعل ذلك حتى لا يجد التفكير في "مجتبى" سبيلا إليها, و لكن على الرغم من كل إحتياطاتها, فذكراه لما تفارقها أبدا..
في ذلك اليوم, إستيقظت مع صوت آذان الفجر, لفحت أنفها رائحة الفجر الممزوجة بعبير الورود.. فتحت نافذة غرفتها, و إتكأت عليها.. تنشقت الهواء بعمق.. إنحنت إلى الخارج و قطفت وردة حمراء, فتذكرت ذلك اليوم الذي فاجأها فيه "مجتبى" و هو يحمل باقة من الورود الحمراء.. دمعت عيناها و هتفت من أعماق قلبها..(عد إلي يا "مجتبى")..
و بعد قليل إستجمعت أمر نفسها فذهب تغتسل و تؤدي فريضة الفجر داعية الله أن يعيده إليها..
بعد أن أتمت صلاتها, إتجهت إلى المطبخ. صنعت على موقد الزيت كوبا من الشاي حملته معها إلى نافذة غرفتها, حيث جلست على إطارها و إحتست الشاي و هي تحدق بعيدا...
صياح الديوك, غثاء الماعز, و خوار الأبقار جاءها كأعذب الأنغام الموسيقية, فإبتسمت, و هي تلمح الفلاحين في غدوهم المبكر إلى حقولهم.
نهضت و إرتدت خمارها متجهة إلى خلف البيت حيث قامت بزراعة بعض الخضراوات لتكفيها مشقة الشراء من السوق الموجودة في أقصى أطراف القرية.. تطلعت إليها بعناية و قامت بنزع كل الحشائش الضارة و من ثم سقتها.. ثم إتجهت إلى قن الدجاج – و كانت فيه ست دجاجات و ديكان – لوحت لهم و هي تحدثهم بإلفة و تلقي بالحبوب في الإناء المخصص ثم تملأ الإناء الآخر بالماء.. و وجدت أربع بيضات جمعتهن عائدة إلى المطبخ.
-"جميلة" صباح الخير.
صوت "سكينة" جارتها أتاها فردت بهدوء:
-صباح الخير يا خالة.
جلست "سكينة" دون إستئذان و تلفتت حولها ثم قالت بغيرة واضحة:
-يبدو أنك قد أصبحت من الأغنياء يا "جميلة".
ضحكت الأخيرة و هي ترد:
-من الأغنياء؟ لا أعتقد يا خالة.
-هل تخافين من الحسد أم ماذا؟
قالت "سكينة" و قبل أن ترد "جميلة" واصلت:
-سمعنا أنك قد صرت من سيدات الأعمال في المدينة و أن لديك عددا من محلات بيع الملابس الصوفية.
إبتسمت "جميلة" بهدوء و قالت:
-هذا من فضل ربي.
تطلعت إليها الجارة بحقد, ثم قالت:
-أما كنت تزوجت و أرحت نفسك من كل هذه الهموم؟
عقدت "جميلة" حاجبيها قائلة بضيق:
-أرجو ألا تتطرقي لهذا الأمر مرة أخرى يا خالة.
لم تنتبه "سكينة" للهجة "جميلة" المتضايقة فأردفت:
-إن الزواج هو هدف كل فتاة, أما ترين بناتي و قد تزوجن و هن في مثل عمرك و أصغر.
-يكفي يا خالة.
واصلت نفث سمومها:
-إن الزواج ستر للفتاة, فهل تريدين أن تبقي وحيدة حتى تصيري مضغة للأفواه, و ستصبحين.
قالت كلمتها الأخيرة بخفوت غير أن "جميلة" سمعتها و ردت بحدة:
-إن أتيت للزيارة فقط, فإنني أستأذنك فلدي أمر طارئ لابد أن أقوم به.
نهضت الجارة و هي تشعر بالغيظ و خرجت.
أخذت "جميلة" نفسا عميقا و هي تحاول منع دموعها من الإنهمار و قد ذكرتها "سكينة" بالذي مضى.
* * *
صباح اليوم التالي إرتدت "جميلة" ملابس الخروج و تدثرت بوشاحها الصوفي المفضل فعلى الرغم من أن الشتاء قد إنتهى, إلا أن نسمات الصباح ما زالت باردة..
عرجت على منزل "مختار" الذي أقعدته السنون و غياب ولده الوحيد.. كما أن كل بناته تزوجن و إنتقلن إلى بيوت أزواجهن, و لم يبق معه غير زوجته الأخيرة –إبنة "سكينة"-. كانت "جميلة" قد أزاحت ما كان بينهما من مواقف جانبا, و صارت تزوره إكراما لذكرى "مجتبى", الذي لم يحاول أن يرسل أي خطاب لوالده في السنوات الثلاثة المنصرمة..
-"جميلة", إبنتي, كيف حالك؟
قال "مختار" ببشر, فإبتسمت "جميلة" و جلست على مقعد جوار فراشه, و هي تقول:
-بخير حال يا عمي.
عاود الإستلقاء على فراشه و أظلمت عيناه و هو يقول:
-أتعلمين, صرت الوحيدة التي تزورني.
و أردف بنبرة مريرة:
-حتى بناتي قاطعنني –بعد أن قاطعني كل الناس- و لم تعد إحداهن تزورني.
ربتت على يده بعطف و تمتمت:
-لا أظن ذلك صحيحا. ربما كن مشغولات فقط.
قهقه بتهكم ثم قال:
-كم أنت طيبة.
و رنا إليها بإعتذار و غمغم:
-لا أدري كيف تمكنت من مسامحتي على ما فعلته.
قاطعته:
-لا تقل ذلك.
-لو لم تكوني كريمة الاصل و الخلق لما فعلت ذلك.
و أطلق آهة عميقة من صدره و دمعت عيناه و هو يقول:
-إنني لا أستحق شفقتك أبدا.
أمسكت بيده و هي تقول بثقة:
-لا تقل ذلك مرة أخرى. ثم لماذا أشفق عليك؟ إنني أزورك كما كان أبي –رحمه الله- سيفعل لو كان حيا.
-رحمه الله.
و صمتا قليلا قبل أن يقطع الصمت بقوله:
-يا ليتي مت و لم أتسبب بسفر "مجتبى".
إمتقع وجهها و لاذت بالصمت و هي تحاول منع دموعها من الإنهمار.
-ألم يبعث إليك في الآونة الأخيرة؟
سألها بلهفة فهزت رأسها و أجابت:
-لم يبعث سوى تلك الرسالة لما هاجر.
-لو كنت أعلم بمكانه لسافرت إليه.
قال "مختار" بصوت حزين متألم, فأسرعت "جميلة" بالخروج قبل أن تغلبها دموعها..
سارت و هي غارقة في أفكارها حتى بلغت تلك الشجرة التي إلتقت عندها "مجتبى" للمرة الأولى. كانت تأتيها من حين لآخر كلما برح بها الشوق. جلست القرفصاء و إتكأت على جذع الشجرة و أغمضت عينيها اللتين بدأ الدمع يتساقط منهما, ثم رفعتهما إلى السماء و هي تقول من أعماق قلبها (يا إلهي.. إرحمني و أعده لي)..
وضعت إحدى ذراعيها حول ركبتيها و أخذت ترسم بإصبعها على الأرض كوخا حوله أشجارا و أمامه بحيرة.. ثم رسمت شمسا, إلا أنها سرعان ما أحاطتها بسحب كثيفة.. (إن حياتي غائمة كهذه الصورة).. ثم أخرجت رسالة "مجتبى" من جيبها و بدأت تقرأها و تتأوه و الدموع تغرق عينيها.. و لما وصلت إلى نهاية الرسالة بدأت تقرأ بصوت يعلو عن الهمس قليلا:
- كنت أول إمرأة أحببتها و ستكونين الأخيرة, و أعلمي أنك بقلبي و ستظلين, إلى الأبد.
بدا لها و كأن صوت "مجتبى" يأتيها فإبتسمت بحزن.
-كم أعشق هذه الإبتسامة.
جاءها صوته الدافئ الحنون فإرتعشت و هي تستدير حولها.
-لا يمكن أن تكون هنا حقيقة.. لا ريب أنه حلم جميل.
قالت بحروف مرتعدة و هي تغمض عينيها و تفتحهما.
-إنه أنا حقيقة يا "جميلة".
تساقطت الدموع من عينيها بصمت و قد ألجمتها المفاجأة.. فمد يده يمسح دموعها بحب..
-هل أنت هنا حقيقة يا "مجتبى"؟
ثم صرخت و تفجرت دموعها و هي تضرب صدره بقبضتيها:
-أيها القاسي, كيف تسافر و تتركني؟
تطلع إليها بدهشة ثم أمسك يديها و هو يهتف:
-أتطردينني ثم تلومينني؟
بكت بمرارة و دفنت وجهها بين يديها و هي تقول:
-لقد وعدتني بأنك لن تتركني وحيدة أبدا.
و رفعت رأسها تقول بإتهام:
-و ماذا حدث؟, عند أول فرصة رحلت!
أخذ يتطلع إليها بعاطفة ممزوجة بالأسف:
-ليس لدي عذر.
ثم تحرك يريد الذهاب فإستوقفته:
-أستتركني مجددا؟
إخترق صوتها الكسير قلبه, فإرتد على عقبيه و تناول كفيها بين يديه قائلا:
-لن يحدث هذا ما حييت بإذن الله.
شعرت بالخجل من نفسها فسحبت يديها و أشاحت بوجهها, بينما إتكأ على الشجرة و هو يقول:
-كم أحب هذه الشجرة.
ثم إلتفت إليها قائلا بعاطفة:
-و لكنني أحب الفتاة الجالسة تحتها أكثر.
وقفا يتطلعان إلى بعضهما بلهفة و شوق, إلى أن قطعت "جميلة" الصمت و هي تقول:
-لم عدت؟
-هل تكرهين عودتي؟
قال بتوتر و قد بدأ الخوف من صدها يعود إلى قلبه.
سارعت تنفي:
-لا بالتأكيد. و لكنني فهمت أنك لن تعود أبدا.
تطلع إلى البعيد و هو يبتسم قائلا:
-أتصدقين إن أخبرتك أنني سمعت صوتك يقول: ( عد إلي يا "مجتبى")؟
بدا عليها الذهول و هي تقول:
-و متى كان ذلك؟
-صباح الأمس.
-هذا لا يعقل.
-أعتقد ذلك.
و صمت قليلا قبل أن يردف:
-و لكنني لما سمعت الصوت, لم أعد أطيق صبرا فعدت و كلي أمل في أن تكون تلك نبوءة ستتحقق.
قال بأمل و هو يتطلع إليها برجاء, فإبتسمت و أطرقت قائلة:
-لقد هتفت بتلك العبارة صباح الأمس.
حان دوره ليصاب بالذهول:
-أفعلت ذلك حقا؟
-بلى.
صمتا ليتطلعا إلى بعضهما ثانية..
-هل صفحت عني؟
قال "مجتبى" فردت بسرعة:
-لا يوجد ما يستدعي ذلك.
ردت بحنان, ثم تذكرت:
-لم لم تكتب عنوانك على الرسالة؟
-ألم أفعل؟
قال بدهشة فعبست و هي ترد:
-لا تدري كم تألمت لما لم أجد عنوانا لك على المظروف.
-أكنت ستراسلينني؟
سألها بهمس, فردت بسرعة:
-بالتأكيد.
و خفضت صوتها و هي تكمل:
-كما أن والدك كان يتمنى لو بعثت بعنوانك فقد كان يريد أن يسافر إليك ليعتذر و يأتي بك.
-أبي؟
قال بدهشة, فتطلعت إليه بلوم:
-أجل, أباك أيها العاق. كيف سمحت لك نفسك أن تقلقه عليك إلى هذا الحد؟
إبتسم بحزن:
-لم يسأل أبي يوما عني.
-كان ذلك في الماضي.
-أتعجب لسؤالك, ألم تكوني على خلاف معه؟
قال بدهشة فإبتسمت و هي ترد:
-تصالحنا منذ زمن بعيد, ثم أنه قد رد لي بيتي.
هتف بفرح:
-أو قد فعل؟
قصت عليه تلك الأحداث بسرعة, و لما توقفت قال:
-الحمد لله أن سفري جاء بنتيجة إيجابية.
ثم سألها:
-و ماذا تفعلين في القرية؟ أأنت في عطلة؟
هزت رأسها مجيبة:
-كلا. أتيت لأقيم هنا بعد علمي بسفرك.
و إنخفض صوتها و هي تكمل بحزن:
-لم أطق البقاء هناك و أنت غير موجود, و
قطعت عبارتها فهمس في أذنها:
-يا إلهي, كم كنت غبيا حتى أسافر.
و إندفع يضحك ثم قال:
- أتعلمين, لما لم تردي علي –و كنت أظن أنني قد كتبت العنوان- يئست من عودتك إلي, لذا لم أرسل أية رسالة أخرى و لا حتى لأبي.
صمتا من جديد قبل أن تقول:
-كيف وصلت إلى هنا؟ إنني لم أرك مقبلا!
-تعطلت بي السيارة على بعد عشر دقائق من هنا, فأتيت سائرا على قدمي, و لما لمحتك من بعيد, إتخذت الطريق خلفك حتى أفاجئك.
و صمت قليلا قبل أن يهمس:
-لم كنت جالسة هنا؟ هل تنتظرين أحدا؟
ردت بحياء:
-بكل تأكيد.
بدا عليه الخوف و هو يسأل بتوتر:
-من تنتظرين؟
أشاحت بوجهها و هي تقول بدلال:
-ذلك الشاب الذي هرب إلى إنجلترا و تركني وحيدة.
وضع يديه على كتفيها و أدارها لتواجهه و هو يقول بلهفة:
-كنت تنتظرينني أنا؟
-و من غيرك؟
أبعد يديه عن كتفيها و قد فاضت عيناه بالمشاعر مما جعلها تطرق.
همس قائلا:
-أتقبلين الزواج بي؟
إبتسمت بحياء و سعادة و لم تجب فأسرع يقول:
-الصمت علامة على الرضا..
إبتسمت و هي تومئ برأسها.. و سارا بإتجاه القرية و هو يقول:
-لم أسألك عن العمة و الحاج "إسماعيل"؟ كيف حالهما؟
-بخير, كانا معي قبل بضعة أسابيع.
-أتظنين أن بإستطاعتهما المجيء بعد عدة أسابيع أخرى؟
قال بخبث, فإزدادت سعادتها و هي تومئ برأسها إيجابا.
واصلا سيرهما نحو القرية و الورود من حولهما تعلن بداية الربيع...
الأربعاء 15 يوليو 2015, 11:21 pm من طرف MOHAMMED ABD ELFATAH
» Diseases and Disorders in Infancy and Early Childhood
الإثنين 15 يونيو 2015, 9:34 pm من طرف MOHAMMED ABD ELFATAH
» كيفية التسجيل والإستعداد لامتحان ال Mccee الكندي
الأربعاء 06 مايو 2015, 2:06 pm من طرف عبدالحليم ابداح
» MRCP 2 Practice Papers
الجمعة 31 أكتوبر 2014, 6:08 pm من طرف Dr .ibrahim
» إمتحانات السنوات السابقة لل MRCP part 1
الأحد 03 أغسطس 2014, 10:44 pm من طرف الحاج منصور
» oxford handbooks Series
الإثنين 02 يونيو 2014, 12:25 pm من طرف ًWIFAG
» ادق برنامج عيادات لادارة عيادتك الخاصة
الإثنين 05 مايو 2014, 11:15 am من طرف petra2
» لعلاج السحر والمس والعين
الأربعاء 29 يناير 2014, 3:09 pm من طرف الطبيب الروحاني
» للحصول على ( الزمالة البريطانية لطب الاطفال MRCPCH ) بكل سهولة من CONNECT CENTER
الخميس 23 يناير 2014, 7:34 pm من طرف connect center
» الأن ولفترة محدووودة ( كورس زمالة الباطنة MRCP ) بارخص الاسعاااار من connect center
الخميس 23 يناير 2014, 6:08 pm من طرف connect center